دراسات إسلامية 

الزينة في كل من اللغة والقرآن والاصطلاح

 

 

 

بقلم : الأستاذ زيد بن محمد الرماني

 

     يقرر أحد الباحثين : «أن الاقتصاد الإسلامي يبحث في ميادين ثلاثة هي السلعة والخدمة والزينة.. ثم يعقب بقوله : «وبهذا تفوق – الاقتصاد الإسلامي – على غيره من كل الدراسات المشابهة» (1).

الزينة في اللغة :

     الزينة (بالكسر) اسم جامع لكل شيء يتزين به، من باب إطلاق اسم المصدر وإرادة المفعول به.

     والزينة : تحسين الشيء بغيره من لُبسةٍ أو حليةٍ أو هيئة .

     وقيل : الزينة بهجة العين التي لا تخلص إلى باطن المزيّن .

     والزّين ضد الشين . وزان الشيء زيّنه : حسّنه وجمّله وزخرفه . وتزين زينة أي صار موضع حسن وجمال(2).

     ومن هذه المعاني يتضح أن كلمة «الزينة» تُطَلق على ما يتزين به الإنسان مما يكسب جمالاً من لباس وطيب ونحوهما، قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِيْنَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجـِدٍ﴾(3).

الزينة في القرآن(4):

     الزينة من الألفاظ التي وردت في القرآن الكريم في صور متعددة وبمعاني متعددة أيضًا .

     ولقد ورد لفظ «الزينة» في القرآن على خمسة أوجه(5):

     الأول : الحسن . ومنه قوله تعالى : ﴿زُيِّنَ لِلَّذِيْنَ كَفَرُوْا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾(6) . وقوله سبحانه: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّسَآءِ وَالْبَنِيْنَ﴾(7).

     والثاني : الحُلي . ومنه قوله تعالى: ﴿وَلـٰـكِنَّا حُمِّلْنَا أَوزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَومِ فَقَذَفْنَاهَا﴾(8).

     والثالث : الزهرة . ومنه قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَونَ وَمَلأَه زِيْنَةً وَّأَمْوَالاً﴾(9). وقوله سبحانه: ﴿اَلْمَالُ وَالْبَنُونَ زِيْنَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾(10).

     والرابع : الحشم . ومنه قوله تعالى : ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَومِه فِي زِينَتِه﴾(11).

     والخامس : الملابس . ومنه قوله تعالى: ﴿خُذُوا زِيْنَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجـِدٍ﴾(12).

     وأضاف الفقيه المفسر الحسين الدامغاني(13) رحمه الله إلى هذه الأوجه الخمسة وجهين لتكون سبعة أوجه، والوجهان هما: وجه التلون الأحمر والأصفر والأخضر، كما في قوله تعالى: ﴿حَتَىٰ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيّنَتْ﴾(14). ووجه النجوم والكواكب، كما في قوله تعالى: ﴿إِنّا زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِزِينَةِ الْكَواكِبِ﴾(15). وقوله سبحانه: ﴿وَزَيّنَا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾(16).

     ثم أوصلها مجد الدين الفيروز آبادي(17) رحمه الله إلى عشرين وجهًا، على سبيل التفصيل والبيان، فأضاف زينة الدنيا، وزينة العجائز بالثياب الفاخرة، وزينة العيد، وزينة المسافرين بالمراكب، وزينة العصيان في أعين ذوي الخذلان، وزينة قتل الولدان، وزينة أحوال الماضين والباقين في عيون الكفار استدراجًا لهم، وزينة الشيطان الضلال لمتبعيّه، وزينة الله لأعدائه خذلانهم، وزينة السماء لأولى الأبصار، وزينة الإيمان في قلوب العارفين.

     ومما سبق يتضح أن الزينة تُطلَق على المحاسن التي خلقها الله سبحانه وتعالى ، فمنها الزينة الحقيقية وهي كل مالا يشين الإنسان في شيء من أحواله، لا في الدنيا ، ولا في الآخرة(18). ومنها الزينة النفسية ويراد بها الصفات التي أمر بها الإسلام ورغّب فيها، وأولها صفة الإيمان فالعلم والصدق والحلم والاعتقادات الحسنة، كما في قوله تعالى : ﴿وَلـٰـكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِليْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَه فِي قُلُوبـِكُمْ﴾(19).

     ومنها الزينة البدنية كالقوة وجمال الخلْقة . ومنها الزينة الخارجية ومايُدرَك بالبصر كالمال والجاه ويندرج تحت هذا النوع من الزينة جميع أنواع الزينة الظاهرة من أنعام وأموال وحرث وكل مايتزين به الإنسان من لباس وحُلي وغير ذلك. يقول سبحانه: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا﴾(20). ومنها الزينة المكتسبة وهي الخارجة عن الجسم المزين بها، يقول سبحانه: ﴿يَا بَنِي آدم خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجـِدٍ﴾(21).

     وقد جاء لفظ الزينة في القرآن مرة مضافًا، وجاء مفردًا .

     فمما ورد إضافته قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِه﴾(22). وإضافة الزينة إلى الله تعالى ؛ لأنه سبحانه هو الذي خلقها وأحلها لعباده فحكمها إليه لا إلى غيره(23).

     وجاء لفظ الزينة مضافًا إلى الحياة(24)، كما في قوله تعالى: ﴿وَاصْبـِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِيْنَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَه . وَلاَ تَعْدُ عَينَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾(25). ومثل قوله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِيْنَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾(26).

     وأما ماجاء مفردًا ، فكما في قوله تعالى: ﴿وَالْخَيلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾(27). وقوله : ﴿اِعْلَمُوا أنّمَا الْحَيَاةُ الدُّنيَا لَعِبٌ وَّلَهْوٌ وَّزِينَةٌ﴾(28). فلفظ الزينة يراد به هنا ما يُزيَّن به الشيء وهو ليس من أصل خلقته ، وهو الغالب في لفظ الزينة في القرآن(29).

     وهناك آيات أخرى كثيرة ورد فيها لفظ الزينة(30)، وكلها تشير على أن ما يدركه الإنسان من خيرات الأرض وبركاتها ومتع الحياة وملذاتها كله من زينة الحياة الدنيا التي يشترك في تحصيلها المؤمن والكافر على حد سواء، وإن كانت للمؤمنين بالأصالة، فمشاركة الكفار لهم فيها عارض وذلك لوجودهم في الحياة .. لقوله تعالى : ﴿قَلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِه وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ . قَلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَّومَ الْقِيَامَةِ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَّعْلَمُوْنَ﴾(31).

     وخلاصة ما سبق أن الزينة من حيث نوعها، هي زينة خلقية وزينة مكتسبة ، ومن حيث استعمالها ، هي زينة مباحة وزينة مستحبة وزينة محرمة ، ومن حيث إخفاؤها وإظهارها ، هي زينة ظاهرة وزينة باطنة(32).

الزينة في الاصطلاح :

     الزينة هي «ماليست من السلع ولا من الخدمات ومع ذلك يسعى إليها الناس وينعمون بها ويقبلون التضحيات من أجل الحصول عليها» (33).

     قال تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيرٌ وَّأَبْقـٰـى أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾(34).

     فإن لفظة «المتاع» (35) الواردة في الآية ترمز لكل من السلع الاقتصادية والخدمات؛ ذلك أن الإنسان لا يستطيع أن يستمتع بالسلعة إلا إذا اقترنت بالخدمة .. فقد يشتري قماشًا صالحاً لعمل الثواب وهذا القماش سلعة ؛ ولكنه لا يستمتع بها إلا إذا اقترنت بخدمة الحائك الذي يُعدّ الثوب ليكون صالحاً للاستعمال . وكذلك السيارة سلعة اقتصادية ولكنها لاتكون متاعاً إلا إذا وُجِد مَنْ يقودها .. يستوي في ذلك أن يكون قائد السيارة أجيرًا أو يتولى صاحب السيارة قيــادتها بنفسه . إذن قوله تعالى ﴿فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ يغني عن ذكر السلع والخدمات جميعًا .. ويجيء حرف الواو للعطف فيقول سبحانه: ﴿وزينتها﴾ لتشير إلى ان هناك مايسعى إليه الناس ويقبلون التضحيات في سبيل الحصول عليه ، ليس من باب السلع ولا الخدمات ..

     لهذا لم يحرم الإسلام الزينة ، بدليل قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجـِدٍ . وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا﴾(36). وقوله سبحانه: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِه﴾(37). ولكنه حذّر من الإسراف فيها ، لما تؤدي إليه من كبر وغرور ، كما كانت الحال مع قارون(38)، قال سبحانه : ﴿إِنّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَومِ مُوسىٰ فَبَغـٰـى عَلَيهِمْ﴾ إلى قوله ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَومِه فِي زِينَتِه﴾ وكانت النهاية ﴿فَخَسَفْنَا بِه وَبـِدَارِه الأَرْضَ﴾(39).

*  *  *

الهوامش :

(1)          د. عيسى عبده – الاقتصاد الإسلامي – مدخل ومنهاج، دار النشر، ص:37 .

(2)       ينظر : ابن منظور – لسان العرب ، ج: 13/201- 202، والفيروز آبادي – القاموس المحيط، ج:4/234، والفيومي – المصباح المنير، ص:261، والمناوي – التوقيف على مهمات التعاريف ، ص:391.

(3)          الآية 31 سورة الأعراف .

(4)          محمد عبد الباقي – المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص:335-336 .

(5)          ابن الجوزي – نزهة الأعين النواظر، ص:339 .

(6)          الآية 212 سورة البقرة .

(7)          الآية 14 سورة آل عمران .

(8)          الآية 87 سورة طه .

(9)          الآية 88 سورة يونس .

(10)      الآية 46 سورة الكهف .

(11)      الآية 79 سورة القصص .

(12)      الآية 31 سورة الأعراف .

(13)      الدامغاني – إصلاح الوجوه والنظائر ، ص: 222-223.

(14)      الآية 24 سورة يونس .

(15)      الآية 6 سورة الصافات .

(16)      الآية 12 سورة فصلت .

(17)      الفيروز آبادي – بصائر ذوي التمييز، ج: 3/157-160.

(18)      الراغب الأصفهاني – المفردات ، ص: 218 .

(19)      الآية 7 سورة الحجرات .

(20)      الآية 7 سورة الكهف .

(21)      الآية 31 سورة الأعراف .

(22)      الآية 32 سورة الأعراف .

(23)      عبد الله صالح الفوزان – زينة المرأة المسلمة ، دارالمسلم، الرياض ، 1412هـ ، ص:8 .

(24)      صلاح عبد الفتاح الخالدي – مع قصص السابقين في القرآن ، دار القلم ، دمشق ، 1409هـ ج:2/148 – 149 .

(25)      الآية 28 سورة الكهف .

(26)      الآية 46 سورة الكهف .

(27)      الآية 8 سورة النحل .

(28)      الآية 20 سورة الحديد .

(29)      محمد الأمين الشنقيطي – أضواء البيان ، المطابع الأهلية، الرياض، 1403هـ ، ج:6/ 199 وله بحث نفيس عن «الزينة» أورده في الصفحات 192-202 .

(30)      د. محمد عبد العزيز عمرو – اللباس والزينة في الشريعة الإسلامية ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، دارالفرقان، عمَّان، 1405هـ ، ص: 372-374.

(31)      الآية 32 سورة الأعراف .

(32)    للاستزادة ينظر: محمد الأمين الشنقيطي – أضواء البيان، ج:6/197-200، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – الموسوعة الفقهية ، ذات السلاسل ، الكويت، 1408هـ ، ج:11/265-275 .

(33)      د. عيسى عبده – الاقتصاد الإسلامي – مدخل ومنهاج، ص:35 .

(34)      الآية 60 سورة القصص .

(35)    ينظر: قاسم القونوي – أنيس الفقهاء ، تحقيق : أحمد الكبيسي ، دار الوفاء ، جدة ، 1406هـ ، ص:141-142، ومحيي الدين النووي – تحرير الفاظ التنبيه، تحقيق: عبد الغني الدقر، دارالقلم ، دمشق، 1408هـ ، ص:204، ومحيي الدين عطية – الكشاف الاقتصادي لآيات القرآن الكريم ، ص:490-498 ، وحسن النجفي – زينة المصطلحات الاقتصادية في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ، ص:166 .

(36)      الآية 31 سورة القصص .

(37)      الآية 32 سورة القصص .

(38)      صلاح عبد الفتاح الخالدي – مع قصص السابقين في القرآن ، ج:1/143-195 .

(39)      الآيات 76-84 سورة القصص .

 

*  *  *

*  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ذوالحجة 1427هـ = يناير 2007م ، العـدد : 12 ، السنـة : 30.